الطيور تستخدم ميكانيكا الكم

الطيور تستخدم ميكانيكا الكم

قد تكون أحد الخواص المحيرة لـميكانيكا الكم Quantum mechanics أنها وسيلة للطيور لترى المجال المغناطيسي للأرض وتتنقل بسهولة.
يوجد على الارض 10.000 نوع من الطيور،خُمسُها (1/5) يهاجر لمسافات طويله جداً متخطيةً الكثير من العقبات من خلال تتبعها للمواسم والفصول. فمثلاً "طائر الرهو - Demoiselle Cranes" تبلغ عند طيرانها ارتفاعاً يزيد عن 6 كيلومتر أثناء مرورها فوق جبال الهيمالايا. كذلك "الخرشنة القطبية-The Arctic Tern" يسافر من قطب إلى قطب سعياً ليعيش في صيف متواصل،وتبلغ المسافة التي يقطعها64 ألف كيلومتر.فكيف تسافر الطيور بهذه المسافات الطويلة؟! 

رجح العلماء منذ زمن أن حيوانات معينة تستفيد من الحقل المغناطيسي للأرض لتجد طريقها،و لكن البيولوجيين(المختصين بدراسة علم الحيوان) لم يعرفو كيفية حدوث هذا الامر. 

أما الآن فيمكن أن نحصل على بعض الأجوبة من المفهوم الأصعب للفهم في عالم الفيزياء وهو "التشابك الكمومي" أو التشابك الكمّى Quantum entanglement وهو ظاهرة موجودة فقط في ميكانيكا الكم ، إذاً ماهي هذه الظاهرة وكيف يستخدمها الطائر؟


يوجد في الفيزياء مبدأ يدعى مبدأ إستبعاد باولي Pauli exclusion principle وهو ينص أنه "حتى يستطيع إلكترونين الدوران حول النواة في نفس المدار يجب أن يدور كل الكترون حول نفسه بجهة معاكسة لدوران الإلكترون الآخر حول نفسه (حركتهما المغزليه متعاكسه)،نسمي العلاقة التي نشأت بين هذين الإلكترونين بالتشابك الكمي ،هذا يعني أنه "أي شيء يحدث لأحد الالكترونين سيشعر الأخر ويتأثر بذلك حتى لو تم فصلهما بمسافة كبيرة" ، من الصعب تصديق و فهم ما يحصل في التشابك الكمي،و لكنه خاصية راسخة وأصيله في علم ميكانيكا الكم، و بعض الفيزيائيين يرجّحون أن الطيور وبعض أنواع الحيوانات تعتمد على هذا التأثير لمعرفة طريقها ورؤية الحقل المغناطيسي للأرض. 

تتم العملية من الناحية البيولوجية عبر التفاعلات التي يحفزها الضوء في مادة موجودة في شبكية عين الطائر تدعى "الكريبتوكروم "cryptochrom ، و آلية(كيفية) العمل تتم من خلال استثارة الضوء لإلكترونين في جزيء في عين الطائر مسببا انتزاع أحد الالكترونين،ولكن الاثنين سيبقيان متشابكين حتى لو تم فصلهما. أي تبقى أفعالهما متناسقة مع بعضها ولأنهما بعيدين عن بعضهما البعض فسيكونان حساسين للحقول المغناطيسية. الألكترون الذي بقي مرتبطاً يتأثر بشكل أساسي بـالعزم المغناطيسي magnetic moment للنواة بينما الالكترون الآخر البعيد عن النواة يشعر فقط بالحقل المغناطيسي الأرضي هذا الاختلاف في الحقول سيجعل هذا الزوج(الثنائى) ينتقل بين حالتين كموميتين(كميتين) :الحالة الأولى يكون فيها العزمان المغناطيسيان للالكترونين متعاكسين وعندها يستطيع الالكترون المنتزع العودة مرة أخرى للجزيء مصدراً اشارة الى الأعصاب البصرية والحالة الثانية يكون العزمان المغناطيسيان بنفس الجهة وفي هذه الحالة لن تصدر اشارة الى المستقبلات .فحسب وضع الطائر بالنسبة للحقل المغناطيسي ستتشكّل صورة عنه في العين تكون عبارة عن ظلال من ضوء وظلام.

لا تزال هذه الفرضية في بداياتها،و لكن العلماء قد تنبهوا إلى القليل من المواد الكيميائية التي قد تمكن الطيور للكشف عن التشابك الكمي. أحد هذه المواد هو بروتين"الكريبتوكروم" الذي تحدثنا عنه، حيث يقوم العلماء بدراسته ودراسة تأثيره المُحتمل.و يُعتَقَد أن الازواج المترابطة تتشكل في الكريبتوكروم بوجود الضوء الازرق. 

كما درس فريق من الفيزيائيين من جامعة كاليفورنيا أيضاً قدرة الطائر "روبن الاوروبي-European Robin" على استشعار التغيرات الكمّية الصغيرة من خلال التلاعب بالحقل المغناطيسي للأرض من حوله.

تم وضع الطائر"روبن" في قفص خلال موسم هجرة الطيور ثم عكس الفيزيائيون الحقل المغناطيسي حول الطير،فأشار الاختبار أن تغيرات على مستوى واحد من الألف من قوة الحقل المغناطيسي الأرضي ستؤثر بقدرات الطيور لتوجيه أنفسهم.

و من المدهش أكثر أن "روبن الاوروبي" باستطاعته توظيف تأثير التشابك الكمي أكثر من المختبرات الحالية.حتى أن فريقاً من الفيزيائيين في جامعة أوكسفورد يعتقد أن حالة التشابك الكمّى يُمكن أن تبقى في عين الطائر لمدة 100 ميكروثانية، بينما في المختبرات لم تتجاوز المدة 80 ميكروثانية على الرغم من تبريد جو التجربة لتصل الحرارة درجة قريبة من الصفر المطلق. 

لا تتوقف دراسة التشابك الكمي عند الطيور فقط،فالعديد من الاسماك، و الزواحف ، و الحشرات و الثدييات قد تستخدم الحقل المغناطيسي الارضي لمعرفة الاتجاهات خلال حركتها.